دخولكِ في عالمي كان مختلفاً حضورك كان مدهشاَ وجهك الملائكي الذي رسمت خطوط الزمن تقاسيمها عليه كان لازال وجه صباح وإطلالة نور تلقي بخيوطها على يومنا وتطرز من دفئك شال حنان يلقى برقة ونعومة على أكتاف أوجاعنا ويديك الطاهرة التي حملت راحتها عطر الجنة كانت عكاز نستند عليه كلما مالت أرواحنا وتعرجت إستقامة الفرح في قلوبنا وأنتكست أوجاعنا باكية أنتِ حكاية طالما خبأتها بين دفاتري الصغيرة حتى عن أمي التي كاانت تغار منكِ ومن والدي رحمه الله ..جدتي لا أستطيع إلا أن أكتب لكِ وأكتبكِ في هذا المنزل الصغير الذي بنيته على أرض " البلوجر " لأن كل ماأخفيه هنا هو أنا جزء مني وأنفاسي وتسارع نبضي هنا مضخة موصولة بـ قلبي وأنتي تستحقين أن أكتب لكِ لأستعيد إبتسامتكِ بين سطوري ياملائكية القلب ونقاء الروح وطهر الأرض ..
منذ الصباح وعيني كـ زورق مكسور غارق في دمعه أمارس إخفائها وأتشاغل وأتلهى بـ إبتسامة من أجلكِ وقلبي ينتحب حنيناً في مكان آخر تجلسين أمامي وفي يدكِ المصحف الشريف تطلبين مني أن أسمع لكِ سورة الملك عيناي في المصحف وعيناكِ تنظر صوبي بدأت ِ بـ القراءة ورحل قلبي بعيداَ يعبث فوضى في نبضاته حتى أنبثقت دموعي فجأة وتقاطرت على ورق المصحف صمتِ مبهوته للحظة ثم رفعتِ وجهي بـ طرف يديكِ وقلتِ والمفاجأة تملؤكِ : تبكين ياماما ؟!وبصوت يكاد لايسمع همست لكِ لاشئ ياجدتي
أبتسمتِ وعدتِ للقراءة بنبرة هادئة خالية من أي تعبير وقبل أن تنتهي من قرائتك هجمتِ علي بـ عناق حميم ولففتِ يديكِ حول جسدي وأنتِ تنظرين إلى وجهي من آن لآخر وتغرقينه بـ القبل ! جدتي حفيدتك المدللة لايمكنها مجابهة كل هذا الكم الهائل من الدفئ إلا بمزيد من الدموع ثم ماذا أفعل بـ قلبي الذي تناثرت نبضاته بين أحضانك تلك أنا منذ كنت طفلة دمعتي على طرف عيني كلمة حزن تبكيني وكلمة فرح تثير بكائي أعلم جيداً أن رؤيتك لدموعي يؤلمكِ جداً سامحيني حاولت أن أجلس بهدوء لأرتب ذاتي ثانية فـ أحضانك التي مازلت أشعر بها للآن كانت كفيلة بأن تغسل عن روحي ذلك الوجع الذي فشلت كل محاولاتي هذا الصباح على مجابهته
ولكنكِ علمتيني العطاء علمتيني أن أبتسامة شخص نحبه تغسل أوجاعنا وأن ضحكة تصدر من باب قلبه تثير داخلنا صدى أصوات للفرح وأهازيج السعادة فـ كان لابد أن أحتال عليكِ هذة المرة وأعيدكِ لذكرياتنا معاً وبدأتها بتلك الذكرى الصغيرة جداً التي لاتتركين مناسبه إلا وتعودين لفتحها فـ قلت لكِ " العام القادم سـ أصبح في التاسعه وقبل أن أكمل حديثي قاطعتيني ضاحكه : هل تكبرين ثلاث سنوات في العام ؟ أنتِ الآن في الساسة كيف تصبحين العام القادم في التاسعة ؟ " هذا الحوار الصغير دار بيننا قبل سنوات أتذكرين ضحكتِ وقلتِ أتذكر كيف كنتِ طفلة عنيدة مصرة أنكِ ستصبحين في التاسعة بعد عام واحد وأنتِ في السادسة ولكنكِ قلتِ لي حينها جدتي أنتِ كبيرة والكبار لايكبرون وأنا صغيرة وسـ أكبرولكن لا أريد أن أنتظر عام وأثنان سـ أقفز للتاسعه ورغم كل محاولاتك لإقناعي بت لليلتي باكية وأنا أتوعد أنني سـ أبلغ التاسعة وأنتِ لاتكفين عن الضحك نمت على صدرك وأنا أبكي ولكن دعيني أخبركِ سراً ياجدتي كنت أخشى الصباح حتى لاتأتي أمي وتأخذني في طريق عودتها من عملها وعللت لكِ بكائي بحكاية عامي التاسع ولكن اليوم فاجأتيني جداً حين قلت ِلي وأنا دائماً كنت أعلم ماتخفيه عيونك وأقرأ حكاية دموعك دون أن تحكيها آمممم في الواقع أرتبكت وحاولت أن أفلت عيني من عينيها الجميلة التي مازادها تقدمها في العمر إلا جمالاً أكثر ونقائاً أكثر سامحيني جدتي ظننت أنني كبرت بما يكفي لأصبح قادرة على إخفاء دموعي ومجابهة خيباتي وهزائمي مع الحياة ولم أفهم أننا مهما كبرنا ومهما أدعينا النضج في داخل كلاً منا طفل لايطمئن ولايشعر بـ الآمان إلا بين أحضان دافئة تستوعب كمية رعشاته وتملك القدرة على صنع أبتسامتة بدلاِ من الدموع وتشعل ألف قنديل من أمل ونور ليظيئ عتمة ذلك الخوف ..أتذكرين ياجدتي أنني كنت أول حفيدة في العائلة ترتدي في يومها السابع في الحياة من حياكة يديكِ لازلت أحتفظ به وقبعتي الصغيرة كانت أمي تقول أن خيوطاً حريريه ربطتنا معاً وأنني كنت أجري منها في عامي الأول وأرتمي بين أحضانك وقصة الآيس كريم الذي كنتُ أطلبه في وجودك وأنا أعلم أن أمي سـ تنصاع لأمرك حين تقولين قمري يصدر أوامره وتنصاعون جميعاً أتذكر تلك الحالة الهستيرية من البكاء حين تعود أمي من عملها لتأخذني من احضانك فـ أبكي وأتشنج وألقي بعرائسي وكتبي حتى تصرخ أمي بـ أنك من أفسدني بـ تدليلها وأنكِ وأبي جعلتا مني طفلة مدللة جداً وعنيدة جداً ولكن ياأمي جدتي شئ يصعب علي وصفه تبدو لي كـ غيمة خلقها الله في سمائي كـ حلوى قطن خفيفة على لساني كـ نهر ممتد من دفئ يجرفني إليه بقوة ويغرقني أتحدث إليها عن كل شئ وأي شئ في أي وقت وأنا على يقين أنها تأخذ كل تفاصيلي وإنجازاتي وخيباتي بـ جدية مطلقة
منذ أن كنت صغيرة وثمة يقين في قلبي أنها الوحيدة في الدنيا التي لاتحمل في قاموسها كلمة لا فـ كنت أختصر المشوار وأستأذن منها بدلاً منكِ ياأمي لأبقى في بيتها وأتناول المزيد من الحلوى كانت توافق وتقدم لي تسويات مرضية من أجلكِ " يوم قالت لي أذهبي الليلة مع أمكِ إلى المنزل وأتركي الحلوى في خزانتي وغداً سـ تأتين الصباح وتجدينها ولدتِ لكِ حلوى آخرى "أحب أن أشعر أنني أبنتها وأن أشارككِ فيها ياأمي أحب قصصها التي تحكيها لي عن خالاتي في ذلك الزمن الذي لا أعرفه غنت لي مرة " أحطك في قلبي وأقفل عليك ولما يجي بابا يدور عليك" سألتها بماذا ستقفلين قلبك ؟ أجابتني بمفتاح ذهبي فقلت هل هناك أحد غيري في قلبك ؟ هل سأشعر بـ الوحدة ؟ قالت لي لن تشعري بـ الوحدة هناك أمك وخالاتك شعرت وقتها بـ الآمان وبعض الغيرة وسألتها ألن يغضبا أبي وأمي أن بحثا عني ووجداني في قلبك وهل ستعطينهم المفتاح قالت لي لا المفتاح ضاع ولن يغضب والديكِ لأنهما قدماكِ لي هدية في هذة الدنيا حين أستمعت إلى خالاتي ذات لليلة يفكرن بـ هدية لجدتي في العيد أقترحت أن يضعاني في كرتونة وأن يحسن ربطها بشرائط ملونة ويقدماني لجدتي مع بطاقة إهداء نظرن إلي بـ إستخفاف وأنفجرن ضاحكات ماذا تظنين نفسك ؟ قلت بثقة هدية جدتي لم يفهمن سر الخيط الحرير الممدود بيننا ولكن أتسائل ياأمي " هل أنتِ من مد الخيط فـ أوصله بيننا ؟! "
أمي قلتِ لي يوماَ أنني أزاحمكِ على قلب أمك أبتسمت يومها وقلت لكِ أن قلوب الجدات أرحب مكان يحتوينا بصدق ودفئ وحنان يوزع نبضاته بلا قيد أو شروط وأنها تضم أبنائها وأحفادها وتغلق باب قلبها وتضيع مفاتيحه لأنها لاتخرجهم أبداً فـ نصبح نحنُ الـأحفاد أجمل الهدايا التي تقدم للجدات "
أمي اليوم أرتشف حبك وأتناول حنان جدتي وأشعر أنني مصابة بتخمة الدفئ فلا
حرمني الله عبق الجنة بين كفيكما
حرمني الله عبق الجنة بين كفيكما